هذا الديوان الذي صدر مؤخرًا بمثابة حجر كريم أزرق، صنعه محمد عبد الباري بانتباه، وتعهّده بحرص، كي يهبَنا الغناء في أوقاتنا الصعبة. وحذارِ أن يخدعك عنوانه عن حقيقته، إنّه أكثر دواوين عبد الباري زرقةً.
وما دمنا في سيرة الزرقة سأذكر كتابًا ساحرًا لـ”ويليام جاس” عنوانه: “أن تكون أزرق المزاج” لا أنفكُّ أوصي أصدقائي بقراءته. يقارب مؤلفه معنىٰ الزرقة أدبيًا وفلسفيًا، ويخلُص إلىٰ ربطها بالكآبة وبالرغبة، ذلك لأنّ الأزرق حين نتقحّمه يختفي، وهكذا الرغبة ما أن ننال ما نشتهيه حتىٰ تنطفئ.
يتساءل “جاس” في كتابه: ماذا يغشّي حياتنا بالساتان؟ ما الذي يغوص بنا إلىٰ كآبة أعمق؟ الوحدة؟ الخواء؟ عدم القيمة؟ الحزن؟ كل واحد من هؤلاء عوز. ليس لدينا ألم، لكنّا فقدنا اللذة، والشفة التي تطبق علىٰ شفتنا هي دائمًا نصف ثغرنا. إذن الأمر حقيقة: أن تكون دون أن تكون زرقة محضة.
لكنّ محمد عبد الباري ابن ثقافته العربية، والأزرق الذي يقاربه يختلف عن أزرق “ويليام جاس”؛ إنّه لون السماء والبحر، لون العمق والعلو والسعة، وحين يخسر الشاعر نفسه ثمّ حبيبته ثمّ جماعته -كما يطلعنا في فهرس خساراته- هو بالضرورة يخسر زرقته. هكذا يريدنا أن نظن، لكني أقول بخلاف ذلك.