ساعات ديكارت رديئة الصنع
إلى أي حدّ يغيّرنا المرض؟ وبأيّ معنى يكون هذا الشخص المريض، والنحيل، والشاحب، وطريح فراشه جلدًا على عظم، والواجم، والعاجز حتى عن تحريك شفتيه من أجل أن يمنح أقاربه وأصدقاءه ابتسامةً خاطفةً ولو مجاملةً، بأي معنى يكون هو نفسه ذلك الشخص الذي كان قبل المرض ممشوق القوام، وصبوح الوجه، ومورّد الخدّين، ومفعمًا بالحيويّة والنشاط، ومحبًّا للضحك؟ هل يكون المرء هو هو بعد المرض، وبعد أن يكون المرض قد غيّر كل شيء في هيئة جسده، فضلًا عن حالته النفسيّة؟ كان إميل سيوران، الكاتب الفرنسيّ/الرومانيّ العدميّ، يقول بأنّ “على المرء أن يغيّر اسمه بعد كل تجربة مهمّة” في الحياة، والمرض ليس فقط تجربة مهمّة كان علينا أن نغيّر أسماءنا بعدها حتى نكون أشخاصًا آخرين، وكي نسمّي المسمّيات بأسمائها الحقيقيّة، بل هو أخطر تجربة بشريّة بعد الموت؛ لأنه التجربة البشريّة الوحيدة تقريبًا التي تغيّرنا على نحو كامل أو شبه كامل بحيث لا نعود بعده كما كنّا قبله، حيث يصبح جسدنا ليس فقط مفصولًا عنا، ومركز تحكّمه خارجنا، بل كأنه صار شيئًا آخر غريبًا عنّا وعلينا، بحيث لو وقف الواحد منا أمام المرآة لما عرف نفسه، ولما عرف أن هذا الشبح المعروض أمامه هو جسده بعد أن تقلّص وتحدّد وانكمش حتى صار بقايا إنسان، “نصف أو ربع إنسان”.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.