منطق الكتابة وتنظيم المجتمع
ر.س48.000
اصبحت الكتابة في المجتمعات الحديثة نوع من أنواع الفن الرفيع والمخملي ، تمارسه طبقة المثقفين ، بينما فعل الكتابة في تأصيله مختلف في المجتمعات الاولية ، ومن الصعب معرفة مستقبل الكتابة كفن أو ضرورة ثقافية متلازمة مع تطور المجتمعات بتطور أدواتها وآلياتها الثقافية ، فمع كل هذا الكم الهائل من التحديث في الادوات التي يمارسها إنسان القرن الواحد والعشرين تبقى الكتابة حاضرة وشاخصة في كل المشاهد الثقافية ، وعنصر مؤثر في حياة الانسان والمجتمعات البشرية .
الكتابة لا تزال مهد العلم رغم التحولات الالية التي طالت هذا الفعل ” الكتابة ” منذ الممارسة الاولى لها في الحضارة السومرية والفرعونية وبقية الحضارات وفِي شتى المجالات سواء السياسية المتعلق بالحكم وتفرعاته أو الممارسات الكهنوتية فيما يتعلق بالنذور وتنظيم المدخلات وأيضا القضاء فيما يتعلق بالعقود والاجراءات والمراسلات والخطابات ، الكتابة كان لها تلك التأثيرات المباشرة وغير المباشرة فمعرفة القراءة والكتابة أحدث التأثير القوي في تنظيم المجتمعات البشرية وكذلك ساهمت في تعديل التصورات المركزية سواء كانت الاوروبية المسيحية أو العربية الاسلامية أو غيرها من المركزيات في العالم حول الجماعات البشرية وتطورها .
هذا البعد الاجتماعي والانثربولوجي لعلم وتاريخ الكتابة يكشف عن مساهمات هذا الفعل في التغيرات الهيكلية في الثقافة والاجتماع والاقتصاد ، فضروب المكاتبة بكل اصنافها وانواعها رسمت خط تطور الكتابة عند الانسان وحاجته الفعلية لتلك الممارسة ، في شأن الكتابة نفسه يكتب الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا ” علم الكتابة ” عن خلخلة النظام الداخلي للغة من خلال فعل التدوين ” الكتابة ” وهو ما يفسر بقاء بعض المجتمعات الشفهية التي تُمارس شفهية الكلام أو اللغة كنظام اتصال وتواصل يحافظ على نغمة الصوت الاصيل المتشكلة في بدايات الكائنات كلها ، كما ان بعض الاديان مارست الكتابة في مراحل متأخر من تكوينها الاجتماعي والسياسي خوفا من ان يكون التدوين ” الكتابة ” لعبة المدونين بتلاعب السياسي بالتاريخ والدين ، وقد حدث فعلا تلاعب وكان الخوف مبرر ، هكذا تكون الكتابة عند دريدا فعل خنق للغة عندما تأطرها وتسيّجها بسياج مُدبب ممزق لاوصال اللغة اذا ما ارادت الانفلات في الفضاء الكبير التي نشأت فيه .
سوف يكون الخنق مضاعفا اذا ما اتجهت المجتمعات الحديثة نحو ترميز اللغة ، كما هو واضح في الاستخدامات الرمزية الممارسة في قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة ، هذا الترميز سوف يخنق على شفاهية وكتابية اللغة ، وليس بعيدا عن ذلك مقولة جان جاك روسو حول الكتابة حيث دعى في كتابه ” إميل ” الى الاعتناء بالقول مقابل الكتابة لان ممارس الكتابة متقاعس أمام الخيال والاحساس والعاطفة وهو سقوط في الفخ ، والكتابة نطق فاسد لانه ابعاد عن الفهم الواضح والصريح .
بالنتيجة لا تشكل بدايات فعل الكتابة الاهمية القصوى التي تشكله التأثيرات التي تحدثها الكتابة في تطور المجتمعات وتبدلاتها الثقافية والسياسية والاقتصادية ، تلك التغيرات لها ايضا التأثير نفسه على تطور الكتابة وقد يكون هذا التأثر بمستوى قتل لفعل الكتابة نفسه .
اسم المؤلف : جاك غودي
اسم المترجم : عماد شيحة
دار النشر : هيئة البحرين للثقافة والآثار
غير متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.